فصل: الحديث الخَامِس عشر بعد الْمِائَة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي عشر بعد الْمِائَة:

تشهد عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
هُوَ حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ إِمَام دَار الْهِجْرَة فِي موطئِهِ وَالشَّافِعِيّ عَنهُ، عَن ابْن شهَاب، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن عبد الرَّحْمَن بن عبدٍ الْقَارِي- بتَشْديد الْيَاء نِسْبَة إِلَى القارة- «أَنه سمع عمر بن الْخطاب وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر يعلم النَّاس التَّشَهُّد يَقُول: قُولُوا: التَّحِيَّات لله الزاكيات لله الطَّيِّبَات الصَّلَوَات لله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ بِهَذَا اللَّفْظ ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر بِزِيَادَة فِيهِ عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه «أَن عمر بن الْخطاب كَانَ يعلم النَّاس التَّشَهُّد فِي الصَّلَاة وَهُوَ يخْطب النَّاس عَلَى مِنْبَر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَقُول: إِذا تشهد أحدكُم فَلْيقل بِسم الله خير الْأَسْمَاء، التَّحِيَّات الزاكيات الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. قَالَ عمر: ابدءُوا بِأَنْفُسِكُمْ بعد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ سلمُوا عَلَى عباد الله الصَّالِحين». قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَفِي رِوَايَة للبيهقي تَقْدِيم الشَّهَادَتَيْنِ عَلَى كلمتي السَّلَام، ومعظم الرِّوَايَات عَكسه كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن رِوَايَة مَالك وَالْحَاكِم.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: لم يَخْتَلِفُوا فِي أَن هَذَا الحَدِيث مَوْقُوف عَلَى عمر. قَالَ: وَرَوَاهُ بعض الْمُتَأَخِّرين عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، عَن مَالك، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن ابْن عبدٍ، عَن عمر مَرْفُوعا، وَوهم فِي رَفعه وَالصَّوَاب مَوْقُوف. وَفِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ نَا عبد الله بن سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث، نَا مُحَمَّد بن وَزِير الدِّمَشْقِي، ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم، أَخْبرنِي ابْن لَهِيعَة، أَخْبرنِي جَعْفَر بن ربيعَة، عَن يَعْقُوب بن الْأَشَج «أَن عون بن عبد الله بن عتبَة كتب لي فِي التَّشَهُّد عَن ابْن عَبَّاس وَأخذ بيَدي فَزعم أَن عمر بن الْخطاب أَخذه بِيَدِهِ فَزعم لَهُ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ بِيَدِهِ فَعلمه التَّشَهُّد، التَّحِيَّات لله الصَّلَوَات الطَّيِّبَات المباركات لله» ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد حسن، وَابْن لَهِيعَة لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
وَوَقع فِي الرَّافِعِيّ «الطَّيِّبَات لله الصَّلَوَات لله» وَلم أر لفظ «لله» فِي الطَّيِّبَات فِي رِوَايَة مَعَ لَفْظَة لله فِي الصَّلَوَات وَإِنَّمَا فِيهَا إِثْبَاتهَا مرّة فِي الصَّلَوَات وَأُخْرَى فِي الطَّيِّبَات وحذفهما مَعًا فِي أُخْرَى كَمَا ذكرته لَك.

.الحديث الثَّالِث عشر بعد الْمِائَة:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أول مَا يتَكَلَّم بِهِ عِنْد الْقعدَة التَّحِيَّات لله».
هُوَ حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنَيْهِمَا بإسنادهما الصَّحِيح من حَدِيث نصر بن عَلّي، نَا أبي، نَا شُعْبَة، عَن أبي بشر، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي التَّشَهُّد: «التَّحِيَّات لله الصَّلَوَات الطَّيِّبَات، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله قَالَ قَالَ ابْن عمر: زِدْت فِيهَا وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله. قَالَ ابْن عمر: وزِدْت فِيهَا وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده صَحِيح. وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِن رِجَاله ثِقَات عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، ثمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ قد تَابعه عَلَى رَفعه ابْن أبي عدي عَن شُعْبَة وَوَقفه غَيرهمَا، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه كَذَلِك لَكِن فِيهَا الْجَزْم «ببركاته» من غير تَنْبِيه عَلَى زيادتها من عِنْده وَلَيْسَ فِيهَا «وَحده لَا شريك لَهُ».
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنَا التَّشَهُّد التَّحِيَّات الطَّيِّبَات الزاكيات لله» إِلَى آخِره وَفِيه «أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده مُوسَى بن عُبَيْدَة وخارجة يَعْنِي ابْن مُصعب وهما ضعيفان، وَرَوَاهُ قَاسم بن أصبغ أَيْضا بِإِسْنَاد صَحِيح من حَدِيث محَارب بن دثار، عَن عبد الله بن عمر «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنَا التَّشَهُّد كَمَا يعلم الْمكتب السُّورَة من الْقُرْآن».

.الحديث الرَّابِع عشر بعد الْمِائَة:

عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنَا التَّشَهُّد كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن: بِسم الله وَبِاللَّهِ، التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، أسأَل الله الْجنَّة وَأَعُوذ بِاللَّه من النَّار».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ وَنَصّ غير وَاحِد من الْحفاظ عَلَى ضعفه. قَالَ النَّسَائِيّ: لَا نعلم أحدا تَابع أَيمن- يَعْنِي ابْن نابل بِالْبَاء الْمُوَحدَة- رَاوِيه، عَن أبي الزبير، عَن جَابر عَلَى هَذَا الحَدِيث وَخَالفهُ اللَّيْث بن سعد فِي إِسْنَاده وأيمن عندنَا لَا بَأْس بِهِ، والْحَدِيث خطأ- وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق- وَقَالَ حَمْزَة بن مُحَمَّد الْحَافِظ: قَوْله عَن جَابر خطأ، وَالصَّوَاب أَبُو الزبير، عَن سعيد بن جُبَير وَطَاوُس، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: وَلَا أعلم أحدا قَالَ فِي التَّشَهُّد باسم الله وَبِاللَّهِ إِلَّا أَيمن بن نابل، عَن أبي الزبير.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: رَوَى أَيمن بن نابل الْمَكِّيّ هَذَا الحَدِيث، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، وَهُوَ غير مَحْفُوظ، قَالَ: وَسَأَلت البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هُوَ خطأ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: أَيمن لَيْسَ بِالْقَوِيّ. زَاد فِي علله: وَحَدِيث ابْن عَبَّاس أشبه بِالصَّوَابِ من حَدِيث جَابر. وَضَعفه أَيْضا الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: أحسن حَدِيث أبي الزبير، عَن جَابر مَا ذكر فِيهِ سَمَاعه مِنْهُ وَلم يذكر السماع فِي هَذَا فِيمَا أعلم. وَقَالَ صَاحب الْمُهَذّب: ذكر التَّسْمِيَة غير صَحِيح عِنْد أَصْحَاب الحَدِيث وَكَذَا نَقله الْبَغَوِيّ عَنْهُم. وَخَالف الْحَاكِم فاستدرك هَذَا الحَدِيث وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ، قَالَ: وأيمن بن نابل ثِقَة قد احْتج بِهِ البُخَارِيّ. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ فِي أَيمن بن نابل: إِنَّه ثِقَة. قَالَ: فَأَما صِحَّته عَلَى شَرط مُسلم فَحَدَّثنَاهُ أَبُو عَلّي الْحَافِظ، ثَنَا عبد الله بن قَحْطَبَةَ ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى، نَا الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان، نَا أبي، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكره. قَالَ الْحَاكِم: سَمِعت أَبَا عَلّي الْحَافِظ يوثق ابْن قَحْطَبَةَ إِلَّا أَنه أَخطَأ فِيهِ فَإِنَّهُ عِنْد الْمُعْتَمِر، عَن أَيمن بن نابل كَمَا تقدم ذكرنَا لَهُ، انْتَهَى كَلَام الْحَاكِم. وَأنكر النَّوَوِيّ عَلَيْهِ تَصْحِيحه فَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب وَغَيره: تَصْحِيح الْحَاكِم لهَذَا الحَدِيث مَرْدُود لَا يقبل مِنْهُ، فَإِن الَّذين ضَعَّفُوهُ أجل مِنْهُ وأتقن.
قلت: تَضْعِيف من هُوَ أجل مِنْهُ وأتقن لَا يصلح أَن يكون ردًّا عَلَى الْحَاكِم، فَإِن الْحَاكِم ادَّعَى أَنه عَلَى شَرط البُخَارِيّ فِي أَيمن بن نابل، وَهُوَ كَذَلِك فقد أخرج لَهُ وقد وَثَّقَهُ الثَّوْريّ وَابْن معِين وَغَيرهمَا وَلكنه تفرد بِهَذَا الحَدِيث فَهَذَا هُوَ الَّذِي يتَوَقَّف فِي صِحَّته لأَجله.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، خَالف النَّاس وَلَو لم يكن إِلَّا حَدِيث التَّشَهُّد. وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: ثِقَة وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: فِيهِ ضعف. وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَن أَحَادِيثه لَا بَأْس بهَا.
قلت: لَكِن يعْتَرض عَلَى الْحَاكِم من وَجه آخر فإنَّ التِّرْمِذِيّ سَأَلَ البُخَارِيّ عَنهُ فَقَالَ: إِنَّه خطأ. فَكيف يكون عَلَى شَرطه؟!. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَيروَى «بِسم الله خير الْأَسْمَاء».
قلت: هَذَا اللَّفْظ لم أره فِي حَدِيث جَابر، نعم هُوَ فِي حَدِيث ابْن الزبير كَمَا ستعلمه، وَسلف من حَدِيث عمر قَرِيبا.
فصل: قد تلخص من أول مَا شرع الرَّافِعِيّ فِي ذكر التَّشَهُّد إِلَى هُنَا خمس تشهدات أَحدهَا: تشهد ابْن عَبَّاس. ثَانِيهَا: تشهد ابْن مَسْعُود. ثَالِثهَا: تشهد عمر. رَابِعهَا: تشهد ابْنه. خَامِسهَا: تشهد جَابر. وَبَقِي مِنْهَا ثَمَانِي تشهدات أُخَر أَحدهَا: تشهد أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. ثَانِيهَا: تشهد عَائِشَة. ثَالِثهَا: تشهد سَمُرَة بن جُنْدُب. رَابِعهَا: تشهد عَلّي بن أبي طَالب. خَامِسهَا: تشهد عبد الله بن الزبير. سادسها: تشهد مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان. سابعها: تشهد سلمَان. ثامنها: تشهد أبي حميد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم، فلنذكرها لتكمل الْفَائِدَة باستحضارها فِي مَوضِع وَاحِد فَإِنَّهُ من النفائس فَنَقُول:
أما تشهد أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ مُسلم من حَدِيث حطَّان بن عبد الله الرقاشِي قَالَ: «صليت مَعَ أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ صَلَاة، فَلَمَّا كَانَ عِنْد الْقعدَة قَالَ رجل من الْقَوْم: أقرَّت الصَّلَاة بِالْبرِّ وَالزَّكَاة. فَلَمَّا قَضَى أَبُو مُوسَى الصَّلَاة وَسلم انْصَرف فَقَالَ: أَيّكُم الْقَائِل كلمة كَذَا وَكَذَا؟ فأرم الْقَوْم، ثمَّ ذكر أَبُو مُوسَى صفة صَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَن قَالَ: وَإِذا كَانَ عِنْد الْقعدَة فَلْيَكُن من أول قَول أحدكُم: التَّحِيَّات الطَّيِّبَات الصَّلَوَات لله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله».
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَبَعض نسخ مُسلم «وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله».
وَفِي رِوَايَة للنسائي: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وأشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه تنكير السَّلَام فيهمَا.
وَأما تشهد عَائِشَة فَرَوَاهُ الْحسن بن سُفْيَان فِي مُسْنده وَالْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق قَالَ:
«علمتني عَائِشَة قَالَت: هَذَا تشهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وأشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله».
وَفِي هَذِه الرِّوَايَة فَائِدَة حَسَنَة وَهِي أَن تشهد سيدنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَفْظ تشهدنا. وَرَوَاهُ مَالك فِي موطئِهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة زوج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنَّهَا كَانَت تَقول إِذا تشهدت: التَّحِيَّات الطَّيِّبَات الصَّلَوَات الزاكيات لله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، السَّلَام عَلَيْكُم» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْقَاسِم أَيْضا عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا كَانَت تَقول فِي التَّشَهُّد فِي الصَّلَاة فِي وَسطهَا وَفِي آخرهَا قولا وَاحِدًا: «باسم الله التَّحِيَّات الصَّلَوَات لله الزاكيات لله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين»، فِي إِسْنَاده ابْن إِسْحَاق وَصرح بِالتَّحْدِيثِ، لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِن الرِّوَايَة الصَّحِيحَة عَن عَائِشَة لَيْسَ فِيهَا ذكر التَّسْمِيَة إِلَّا مَا تفرد بِهِ ابْن إِسْحَاق.
قَالَ: وَرَوَى ثَابت بن زُهَيْر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. وَهِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة كِلَاهُمَا عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّسْمِيَة قبل التَّحِيَّة، وثابت بن زُهَيْر مُنكر الحَدِيث ضَعِيف. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن عَائِشَة مَرْفُوعا وَالصَّوَاب وَقفه عَلَيْهَا.
وَأما تشهد سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث جَعْفَر بن سعد بن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ: حَدثنِي خُبيب بن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن سَمُرَة، عَن سَمُرَة بن جُنْدُب «أما بعد أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ فِي وسط الصَّلَاة أَو حِين انْقِضَائِهَا فابدءوا قبل التَّسْلِيم فَقولُوا: التَّحِيَّات الطَّيِّبَات والصلوات وَالْملك لله، ثمَّ سلمُوا عَلَى الْيَمين ثمَّ سلمُوا عَلَى قارئكم وَعَلَى أَنفسكُم».
قَالَ أَبُو دَاوُد: سُلَيْمَان كُوفِي الأَصْل كَانَ بِدِمَشْق. قَالَ عبد الْحق: وَهَذَا الْإِسْنَاد لَيْسَ بِمَشْهُور.
قلت: وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي بَاب زَكَاة التِّجَارَة- إِن شَاءَ الله وَقدره.
وَأما تشهد عَلّي بن أبي طَالب، رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أَوسط معاجمه وأكبرها والسياق للْأولِ عَن إِبْرَاهِيم- يَعْنِي الوكيعي- ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن صَالح الْأَزْدِيّ، نَا عَمْرو بن هَاشم أَبُو مَالك الْجَنبي عَن عبد الله بن عَطاء قَالَ: حَدثنِي الْبَهْزِي قَالَ: سَأَلت الْحُسَيْن بن عَلّي عَن تشهد عَلّي، فَقَالَ: هُوَ تشهد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: حَدثنِي بتشهد عَلّي عَن تشهد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: «التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات والغاديات والرائحات والزاكيات والناعمات السابغات الطاهرات لله».
قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يروه عَن عبد الله بن عَطاء إِلَّا عَمْرو.
قلت: قَالَ أَحْمد: صَدُوق. وَلينه غَيره.
وَأما تشهد عبد الله بن الزبير فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي «الْأَكْبَر» والْأَوْسَط أَيْضا من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، نَا الْحَارِث بن يزِيد قَالَ: سَمِعت أَبَا الْورْد يَقُول: سَمِعت عبد الله بن الزبير يَقُول: إِنَّ تشهد النَّبِي: «باسم الله وَبِاللَّهِ خير الْأَسْمَاء التَّحِيَّات لله الطَّيِّبَات الصَّلَوَات، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ بِالْحَقِّ بشيرًا وَنَذِيرا، وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، اللَّهُمَّ اغْفِر لي واهدني. هَذَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين».
قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لَا يرْوَى هَذَا الحَدِيث عَن عبد الله بن الزبير إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد، تفرد بِهِ ابْن لَهِيعَة.
وَأما تشهد مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث رَاشد بن سعد المقرائي، عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، أَنه كَانَ يعلم النَّاس التَّشَهُّد وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله».
وَرَاشِد هَذَا وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم وَابْن سعد وَقَالَ أَحْمد: لَا بَأْس بِهِ. وشذ ابْن حزم فَقَالَ: ضَعِيف. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يعْتَبر بِهِ، لَا بَأْس بِهِ. وَفِي إِسْنَاده أَيْضا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش وَهُوَ ضَعِيف فِي غير الشاميين، وحريز بن عُثْمَان شَامي ثِقَة لكنه ناصبي مبغض.
وَأما تشهد سلمَان فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه أَيْضا من حَدِيث أبي رَاشد قَالَ: سَأَلت سلمَان الْفَارِسِي، عَن التَّشَهُّد فَقَالَ: «أعلمكُم كَمَا علمنيهن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّشَهُّد حرفا حرفا. التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات لله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله». فِي إِسْنَاده عمر بن يزِيد الْأَزْدِيّ، قَالَ ابْن عدي: مُنكر الحَدِيث.
وَأما تشهد أبي حميد السَّاعِدِيّ فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه أَيْضا من حَدِيث الْعَبَّاس بن سهل عَنهُ، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه كَانَ يتَشَهَّد: التَّحِيَّات لله الصَّلَوَات الطَّيِّبَات الزاكيات لله، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله». فِيهِ الْوَاقِدِيّ وحالته مَعْلُومَة.
إِذا عرفت هَذِه التشهدات وتقررت لديك بقيت متطلعًا إِلَى الْأَرْجَح مِنْهَا ولتعلم أَن أَشدّهَا صِحَة بِاتِّفَاق الْحفاظ حَدِيث ابْن مَسْعُود لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن الْأَئِمَّة السِّتَّة اتَّفقُوا عَلَى إِخْرَاجه فِي كتبهمْ، بِخِلَاف تشهد ابْن عَبَّاس فَإِنَّهُ مَعْدُود من مُفْرَدَات مُسلم وإِن أخرجه أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة أَيْضا.
ثَانِيهمَا أَنه أصح حَدِيث فِي الْبَاب قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه: حَدِيث ابْن مَسْعُود رُوِيَ عَنهُ من غير وَجه وَهُوَ أصح حَدِيث رُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد، وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن بعدهمْ من التَّابِعين، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك وَأحمد وَإِسْحَاق، قَالَ التِّرْمِذِيّ: ثَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى، أَنا عبد الله بن الْمُبَارك، عَن معمر، عَن خصيف قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فَقلت: يَا رَسُول الله، إِن النَّاس قد اخْتلفُوا فِي التَّشَهُّد فَقَالَ: عَلَيْك بتشهد ابْن مَسْعُود» زَاد ابْن مَنْدَه فِي مستخرجه «فَإذْ فرغت من التَّشَهُّد فسل الله الْجنَّة، وتعوذ بِهِ من النَّار» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «نعم السّنة سنة ابْن مَسْعُود» وَذكر ابْن عبد الْبر بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَحْمد بن عَمْرو بن عبد الْخَالِق الْبَزَّار الْحَافِظ أَنه سُئِلَ عَن أصح حَدِيث فِي التَّشَهُّد فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي وَالله حَدِيث ابْن مَسْعُود، رُوِيَ عَنهُ من نَيف وَعشْرين طَرِيقا. ثمَّ عَددهمْ قَالَ: وَلَا أعلم أَنه يرْوَى عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد أثبت من حَدِيث عبد الله، وَلَا أصح أَسَانِيد، وَلَا أشهر رجَالًا، وَلَا أَشد تضافرًا بِكَثْرَة الْأَسَانِيد وَاخْتِلَاف طرقها، وَإِلَيْهِ أذهب وَرُبمَا زِدْت.
قَالَ ابْن عبد الْبر: كَانَ أَحْمد بن خَالِد بالأندلس يختاره، ويميل إِلَيْهِ ويتشهد بِهِ، وَذكر ابْن مَنْدَه فِي مستخرجه طرق حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي نَحْو ورقتين، ثمَّ نقل عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي أَنه قَالَ: إِنَّه من أصح مَا رُوِيَ فِي التَّشَهُّد وَبِه نَأْخُذ، وَنقل عَن مُسلم بن الْحجَّاج أَنه قَالَ: إِنَّمَا اجْتمع النَّاس عَلَى تشهد ابْن مَسْعُود؛ لِأَن أَصْحَابه لَا يُخَالف بَعضهم بَعْضًا، وَغَيره قد اخْتَلَّ أَصْحَابه.
قلت: وَمَا رُجح بِهِ تشهد ابْن مَسْعُود أَيْضا أَن فِيهِ زِيَادَة وَاو الْعَطف، وَهِي تَقْتَضِي الْمُغَايرَة بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ؛ فَيكون كل جملَة ثَنَاء مستقلًّا بِخِلَاف إِسْقَاطهَا، فَإِن مَا عدا اللَّفْظ الأول يكون صفة للْأولِ وَالْأول أبلغ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه بِإِسْنَادِهِ، عَن ابْن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه قَالَ: مَا سَمِعت فِي التَّشَهُّد أحسن من حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَذَلِكَ أَنه رَفعه إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: وَكَذَلِكَ غَيره مِمَّا عَرفته فَلَا يَصح هَذَا أَن يكون مرجحًا، وَاخْتَارَ الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ تشهد ابْن عَبَّاس لأوجه:
أَحدهَا: لِأَن فِيهِ زِيَادَة و«المباركات» وَلِأَنَّهَا مُوَافقَة لقَوْل الله تَعَالَى: {تَحِيَّة من عِنْد الله مباركة طيبَة} قَالَه أَصْحَابنَا. قَالَ الشَّافِعِي: وَهُوَ أَكثر وَأحمد لفظا من غَيره. وَفِي صَحِيح أبي عوَانَة بِسَنَدِهِ إِلَى الشَّافِعِي أَنه قَالَ: حَدِيث ابْن عَبَّاس أَجود مَا رُوِيَ عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ثَانِيهَا: لِأَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم علمه ابْن عَبَّاس وأقرانه من أَحْدَاث الصَّحَابَة فَيكون مُتَأَخِّرًا عَن تشهد ابْن مَسْعُود وَأَضْرَابه قَالَه الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه قَالَ: وَهَذَا بِلَا شكّ.
ثَالِثهَا: قَالَه الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: الَّذِي عِنْدِي أَنه إِنَّمَا اخْتَارَهُ الشَّافِعِي؛ لِأَن إِسْنَاده إِسْنَاد حجازي، وَإسْنَاد حَدِيث عبد الله إِسْنَاد كُوفِي، وَمهما وجد أَئِمَّتنَا المتقدمون من أهل الْمَدِينَة للْحَدِيث طَرِيقا بالحجاز فَلَا يحتجون بِحَدِيث يكون مخرجه من الْكُوفَة. قَالَ: ومِمَّا يشْهد لهَذَا قَول الشَّافِعِي ليونس بن عبد الْأَعْلَى: إِذا وجدت أهل الْمَدِينَة عَلَى شَيْء فَلَا يدخلن قَلْبك شكّ أَنه حق، ثمَّ ذكر الْبَيْهَقِيّ شَوَاهِد لما ذكره. وَوَقع فِي «الشفا» للْقَاضِي عِيَاض أَن الشَّافِعِي اخْتَار تشهد ابْن مَسْعُود وَهُوَ سبق قلم، وَاخْتَارَ مَالك رَحِمَهُ اللَّهُ تشهد عمر بن الْخطاب لتعليم عمر إِيَّاه عَلَى الْمِنْبَر بِحَضْرَة الصَّحَابَة وَلم يُنكر، وَمثل هَذَا لَا يكون إِلَّا بتوقيف وَهُوَ بِيَقِين بعد تَعْلِيم ابْن عَبَّاس فَتَأَخر التَّعْلِيم، وَزِيَادَة «المباركات» يقابلها عِنْد مَالك زِيَادَة «الزاكيات» لَكِن للشَّافِعِيّ أَن يَقُول: نَحن تمسكنا بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوع الثَّابِت، وَمَالك تمسك بالأثر عَن عمر، لَكِن لمَالِك أَن يَقُول هَذَا جارٍ عَلَى قواعدي فِي تَرْجِيح عمل أهل الْمَدِينَة. عَلَى أَن فِي تَسْلِيم كَون ذَلِك عمل الْمَدِينَة وَقْفَة، لِأَن ابْن أبي شيبَة رَوَى فِي مُصَنفه عَن الْفضل بن دُكَيْن، عَن سُفْيَان، عَن زيد الْعمي، عَن أبي الصّديق النَّاجِي، عَن ابْن عمر «أَن أَبَا بكر كَانَ يعلمهُمْ التَّشَهُّد عَلَى الْمِنْبَر كَمَا يعلم الصّبيان فِي الْكتاب: التَّحِيَّات لله والصلوات، والطيبات، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وَعَلَى عباد الله الصَّالِحين، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله» فَهَذَا يُوَافق حَدِيث ابْن مَسْعُود فَيَنْبَغِي تَرْجِيحه إِلَّا أَن يُجَاب بِضعْف زيد الْعمي، فاستفد مَا ذكرنَا لَك من ذكر التشهدات وَالْكَلَام عَلَيْهَا فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات الجليلة الَّتِي يرحل إِلَيْهَا.

.الحديث الخَامِس عشر بعد الْمِائَة:

عَن كَعْب بن عجْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن كَيْفيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِ فَقَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا صليت عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آل إِبْرَاهِيم، وَبَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا باركت عَلَى إِبْرَاهِيم وَعَلَى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته وَقد سلف بِلَفْظِهِ فِي الحَدِيث الثَّامِن بعد الْمِائَة وَهُوَ نَحْو هَذَا. وَقَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي تَرْجَمَة أهل الْبَيْت إِن البُخَارِيّ رَوَاهُ ثمَّ سَاقه بِلَفْظ الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَعَزاهُ شَيخنَا الْحَافِظ قطب الدَّين عبد الْكَرِيم الْحلَبِي فِي كِتَابه الاهتمام بتلخيص كتاب الإِمَام الَّذِي نحا فِيهِ نَحْو الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي كالمكمل لَهُ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء إِلَى رِوَايَة الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا لَفظه- وَمن أَصله نقلته- رَوَى عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى قَالَ: «لَقِيَنِي كَعْب بن عجْرَة فَقَالَ: أَلا أهدي لَك هَدِيَّة سَمعتهَا من النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقلت: بلَى، فاهدها لي. قَالَ: سَأَلنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، كَيفَ الصَّلَاة عَلَيْكُم أهل الْبَيْت؟ فَإِن الله قد علمنَا كَيفَ نسلم. قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد...» فَذكره بِمثلِهِ سَوَاء ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم ورأيته فِي النَّسَائِيّ الْكَبِير كَمَا أوردهُ الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَهَذَا لَفظه عَن كَعْب ابْن عجْرَة قَالَ: «قُلْنَا: يَا رَسُول الله، السَّلَام عَلَيْك قد عَرفْنَاهُ، فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا صليت عَلَى إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد، وَبَارك عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد كَمَا باركت عَلَى إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد» وَقد رَأَيْت بعض فضلاء الشاميين اعْترض عَلَى المُصَنّف فِي رِوَايَته الحَدِيث كَذَلِك، وَقد زَالَ عَنهُ ذَلِك- بِحَمْد الله ومنِّه.
فَائِدَة: قَالَ المستغفري فِي «الدَّعْوَات»: رَوَى جمَاعَة أَحَادِيث فِي كَيْفيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِ: كَعْب بن عجْرَة، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، وَطَلْحَة بن عبيد الله، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَأَبُو مَسْعُود الْأنْصَارِيّ وَأَبُو حميد السَّاعِدِيّ وبُرَيْدَة بن الْحصيب الْأَسْلَمِيّ، والنعمان بن أبي عَيَّاش الزرقي، ورويفع بن ثَابت، وَجَابِر بن عبد الله، وَابْن عَبَّاس ثمَّ سَاق أَحَادِيثهم.
قلت: وَسَهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ، وَزيد بن خَارِجَة رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ. وَعلي رَوَاهُ س وفضالة وَابْن مَسْعُود- كَمَا سلفا- وَعبد الرَّحْمَن بن بشر بن مَسْعُود.

.الحديث السَّادِس عشر بعد الْمِائَة:

عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي آخر التَّشَهُّد: ثمَّ ليتخير من الدُّعَاء أعجبه إِلَيْهِ فيدعو» وَفِي رِوَايَة «فَليدع بعد مَا شَاءَ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف فِي الحَدِيث الْحَادِي عشر بعد الْمِائَة فِي الْبَاب.

.الحديث السَّابِع عشر بعد الْمِائَة:

أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «كَانَ من آخر مَا يَقُول بَين التَّشَهُّد وَالتَّسْلِيم اللَّهُمَّ اغْفِر لي مَا قدمت، وَمَا أخرت، وَمَا أسررت، وَمَا أعلنت، وَمَا أسرفت، وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني، أَنْت الْمُقدم وَأَنت الْمُؤخر لَا إِلَه إِلَّا أَنْت»..
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم كَذَلِك من رِوَايَة عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَمَا سلف فِي الْبَاب فِي الحَدِيث الْحَادِي بعد الْعشْرين.

.الحديث الثَّامِن عشر بعد الْمِائَة:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا فرغ أحدكُم من التَّشَهُّد الآخِر فليتعوذ بِاللَّه من أَربع: من عَذَاب جَهَنَّم، ومن عَذَاب الْقَبْر، وَمن فتْنَة الْمحيا وَالْمَمَات، وَمن فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم كَذَلِك من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِذا تشهد أحدكُم فليتعوذ بِاللَّه من أَربع يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من عَذَاب جَهَنَّم، وَمن عَذَاب الْقَبْر، وَمن فتْنَة الْمحيا وَالْمَمَات، وَمن شَرّ فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال».
وَفِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من عَذَاب الْقَبْر وَعَذَاب النَّار وفتنة الْمَسِيح الدَّجَّال وفتنة الْمحيا وَالْمَمَات».
زَاد النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي رِوَايَة لَهما بِإِسْنَاد صَحِيح «ثمَّ يَدْعُو لنَفسِهِ بِمَا بدا لَهُ». وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الْجَنَائِز من صَحِيحه بِلَفْظ «كَانَ يَدْعُو بهؤلاء الْكَلِمَات». وَلم يُقَيِّدهُ بتشهد وَلَا بِغَيْرِهِ، وَفِي صَحِيح مُسلم عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يعلمهُمْ هَذَا الدُّعَاء، كَمَا يعلمهُمْ السُّورَة من الْقُرْآن يَقُول: قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك من عَذَاب جَهَنَّم، وَأَعُوذ بك من عَذَاب الْقَبْر، وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال، وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمحيا وَالْمَمَات» قَالَ مُسلم: وَبَلغنِي أَن طاوسًا قَالَ لِابْنِهِ: دَعَوْت بهَا فِي صَلَاتك؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أعد صَلَاتك.

.الحديث التَّاسِع عشر بعد الْمِائَة:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو فِي آخر الصَّلَاة اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من عَذَاب الْقَبْر، وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال، وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمحيا وفتنة الْمَمَات، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من المأثم والمغرم».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا بِزِيَادَة: «فَقيل: يَا رَسُول الله، مَا أَكثر مَا تستعيذ من المغرم! فَقَالَ: إِن الرجل إِذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف».